هولوكوست سوريا و نبوءة خالص جلبي

الوطن 24/ياسين الكزابري 

ذات مساء في شهر مارس 2011، جلست رفقة الدكتور خالص جلبي في بيته، نتابع أخبار الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في سوريا.
قبل شهر من ذلك رأينا مبارك يتنحى عن حكم مصر، و قبله رأينا بن علي يغادر حكم تونس.
و بينما كنت اتابع الاخبار بنوع من الحماس، متوقعا أن يتنازل بشار الأسد بسرعة تحت ضغط الشارع بعد مقتل عدد من المتظاهرين و ازدياد غضب الشارع.. كان الدكتور خالص جلبي واجما صامتا على غير عادته.
فالتفت إليه و سألته : دكتور خالص متى تتوقع تنازل الأسد عن الحكم؟
فقال بصوت هادئ و على ملامحه نفس الوجوم : أتوقع أن يستمر عداد القتلى في الارتفاع إلى أن يصل مئات الآلاف، و قد يستمر سفك الدماء لعشر سنوات.
كان جوابه صادما. و لم أستوعب درجة التشاؤم فيه. ثم مرت السنوات و أنا أشاهد نبوءة خالص جلبي تتحقق سنة بعد سنة. عشر سنوات قضاها نظام الأسد الشيطاني في شيء واحد تقريبا : إبادة السوريين بأبشع الطرق.
======
كنت أعرف درجة القمع في سوريا، مما حكاه لي الصديق عبد الهادي العمراني الذي درس في سوريا لمدة سنة قبل انطلاق الثورة.
و مما ذكره لي، أنه كان رفقة زملاء يتجولون في الشارع، و كان هناك عراك بالأيدي بين بعض الشباب، فتوقفت سيارة شرطة بعيدا منهم و أطل منها شرطي و صاح بهم: يلااا.
لم يتوقف الشباب عن العراك. فقط. بل فروا فرارا.
كان المشهد مفاجئا لعبد الهادي، لأن الوضع في المغرب مختلف، حيث يمكن أن يتعارك المواطن مع الشرطي نفسه.
ثم تعرفت أكثر على الطبيعة الإجرامية الشيطانية لنظام الأسد، من خلال ما كان يحكيه لنا الدكتور خالص جلبي قبل قيام الثورة.
و مما أذكره مثلا، أن جنود الأسد دخلوا قرية من القرى أيام الثمانينات أو التسعينات، بغرض معاقبتها بسبب شبهة في ولاء بعض أبنائها.
فجمعوا أهل القرية رجالا و نساء، شيوخا و أطفالا، و عروهم كما ولدتهم أمهاتهم، و أوقفوهم على شكل حلقة، ثم أمروهم بالجثو على ركبهم كالأنعام، ثم جعلوهم يدورون في حلقة حبوا على ركبهم، ثم أمروهم بأن يعض كل منهم مؤخرة الذي أمامه. و من رفض تنفيذ أي أمر، يتم قتله في الحال. قتل بعضهم، و استسلم البعض الآخر، و ضلوا يعضون بعضهم حتى سالت دماؤهم. فيما كان جنود النظام الشيطاني يضحكون و يسخرون.
و قصص لا حصر لها من جرائم لا يفعلها إلا شيطان في هيئة بشر.
و كانت آخر قصة للدكتور خالص جلبي مع نظام الأسد الإبليسي، في 2004، عندما قرر زيارة سوريا بعد قرابة عقدين، ظنا منه أن النظام قد تغير بالفعل. لكن في المطار، تم توقيفه و استجوابه، و لكمه ضابط على وجهه بمقبض من حديد، حتى تكسرت أسنانه.
======
لما تأكد خبر سقوط نظام الأسد، هنأت من أعرف من السوريين، واحدا واحدا، و شعرت بالامتنان أن أطال الله عمر خالص جلبي حتى يرى سقوط هذا النظام الشيطاني.