أزمة الإعلام بين التضييق والتشهير: هل يمكن للمغرب أن يعيش دون صحافة حرة ؟

الوطن24/نعيم بوسلهام
هل يمكن للمغرب أن يعيش دون صحافة حرة؟ سؤال يبدو في ظاهره نظرياً، لكنه في عمقه يختبر حقيقة الوضع الذي تعيشه الصحافة المغربية اليوم. فبعد أن كانت السلطة الرابعة تُشكّل رافعة أساسية للنقاش العام، وتحمل مشعل المراقبة والمساءلة، أصبحت تعاني من تراجع خطير في أدوارها بسبب تضييقات متزايدة، وتوظيف الإعلام في معارك التشهير، فضلاً عن المحاكمات القاسية التي طالت عدداً من الصحافيين.
في الوقت الذي تواجه فيه الصحافة الجادة عراقيل متعددة، برزت مواقع ومنصات إخبارية وظيفتها الأساسية ليست نقل الحقيقة أو تحليل الأحداث، بل ممارسة التشهير والاختلاق والتضليل، مستفيدة من مظلة الحماية غير المعلنة من بعض الجهات الأمنية. هذه المنابر تحولت إلى أداة لتصفية الحسابات مع الأصوات المعارضة أو الصحافيين الذين يرفضون الاصطفاف وراء الخط الرسمي.
لقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة حملات تشهير ممنهجة ضد صحافيين وناشطين، حيث يتم تسريب معطياتهم الخاصة، أو فبركة ملفات أخلاقية وجنائية لتشويه سمعتهم وضرب مصداقيتهم. وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة هو إفلات منابر التشهير من أي مساءلة قانونية، بينما يجد الصحافيون الحقيقيون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع القضاء في قضايا يتم تضخيمها لأغراض سياسية.
محنة الصحافيين في المغرب لا تقتصر على التشهير فقط، بل تمتد إلى محاكمات غير عادلة وأحكام قاسية تعكس غياب ضمانات المحاكمة العادلة. فالمتابعة في حالة اعتقال أصبحت القاعدة بدل الاستثناء، وقرينة البراءة التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية لا تُحترم في أغلب القضايا المرتبطة بالصحافة.
الأمثلة على ذلك كثيرة: صحافيون وجدوا أنفسهم وراء القضبان بسبب مقالات رأي، أو تحقيقات كشفت ملفات حساسة. آخرون حوكموا بأحكام ثقيلة لمجرد تعبيرهم عن مواقفهم أو فضحهم للفساد. وفي حالات عدة، يتم استغلال القضايا الأخلاقية والجنائية لإضفاء الشرعية على هذه المحاكمات، في حين يُحرم الصحافيون من الاستفادة من إجراءات التخفيف والعفو التي يتمتع بها سجناء آخرون في قضايا مختلفة.
إن وجود صحافة حرة ليس رفاهية أو امتيازاً تمنحه السلطة لمن تشاء وتحجبه عمن تشاء، بل هو شرط أساسي لأي مجتمع ديمقراطي. فالصحافة القوية والمستقلة تساهم في محاربة الفساد، وتوعية المواطنين، وخلق نقاش عام صحي، وهو ما يخشاه من يريد التحكم في الرأي العام وتوجيهه بما يخدم مصالحه.
المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يختار طريق تعزيز حرية الصحافة بما ينسجم مع الدستور والمواثيق الدولية، أو أن يستمر في سياسة التضييق والمحاكمات والرقابة، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على صورة البلد داخلياً وخارجياً.
لا يمكن لأي دولة أن تعيش دون إعلام مستقل قادر على نقل الحقيقة بمهنية ومسؤولية. والرهان اليوم ليس فقط على حماية الصحافيين من الملاحقة والتشهير، بل على إعادة الاعتبار للصحافة كسلطة رابعة، وتحقيق القطيعة مع ممارسات تجعل من الإعلام أداة لخدمة أجندات ضيقة، بدل أن يكون في خدمة المجتمع والديمقراطية