التعليم العمومي والتشغيل في المغرب: حلقة مفرغة من الإشكالات العميقة

التعليم العمومي والتشغيل في المغرب يعانيان من اختلالات عميقة تفرز مشاكل اجتماعية واقتصادية متشابكة، فما يحدث في المدارس والجامعات ينعكس بشكل مباشر على سوق الشغل، وما يعيشه الشباب في سوق العمل هو نتيجة طبيعية لما يتلقونه في مقاعد الدراسة. القضية ليست مجرد نقص في الميزانيات أو سوء تدبير، بل إشكالية مركبة تتداخل فيها عوامل عدة، تبدأ من المناهج الدراسية، مروراً بجودة التكوين، وصولاً إلى السياسات الاقتصادية التي لا تواكب تحولات العصر ولا تلبي حاجيات سوق العمل.

التعليم العمومي في المغرب يعاني من مشكلات بنيوية تعيق تحقيقه لدوره الحقيقي في تكوين أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل. مناهج دراسية تقليدية لا تواكب تطورات العصر، وطرق تدريس تعتمد على التلقين بدل الإبداع، واكتظاظ في الأقسام يعيق عملية التعلم، كلها عوامل تجعل المدرسة العمومية عاجزة عن تخريج كفاءات قادرة على المنافسة. في المقابل، هناك مدارس خاصة تستثمر في الجودة وتُكوّن نخباً قادرة على الولوج إلى سوق الشغل بسهولة، مما يكرس فجوة طبقية خطيرة بين أبناء الفقراء وأبناء الميسورين.

الجامعة ليست في وضع أفضل، حيث تُخرِّج آلاف الطلبة كل سنة دون أن توفر لهم المهارات العملية التي يحتاجها سوق الشغل. التكوين الأكاديمي في العديد من التخصصات بعيد كل البعد عن متطلبات الاقتصاد الوطني، حيث يظل حبيس النظريات دون ربط حقيقي بالواقع المهني. النتيجة هي جحافل من خريجي الجامعات يجدون أنفسهم في وضعية بطالة، ليس لغياب فرص العمل فقط، بل لأن تكوينهم لا يتماشى مع احتياجات السوق، بينما بعض القطاعات الحيوية تعاني من نقص حاد في اليد العاملة المؤهلة بسبب غياب تكوين مهني فعال قادر على سد الخصاص.

التشغيل في المغرب أصبح معضلة حقيقية، حيث تتزايد أعداد العاطلين عن العمل رغم توفرهم على شهادات عليا، مما يعكس خللاً هيكلياً في سياسات التشغيل. أغلب الشركات تطلب خبرة مسبقة، بينما الخريجون الجدد يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة بين الحاجة إلى الخبرة وصعوبة الحصول على فرصة لاكتسابها. من جهة أخرى، قطاع الوظيفة العمومية الذي كان يستوعب عدداً كبيراً من الخريجين تقلص بشكل كبير، مما زاد من تعقيد الوضعية. أما القطاع الخاص، فرغم الفرص التي يوفرها، إلا أنه يعاني من هشاشة عقود العمل وضعف الأجور وغياب الاستقرار المهني، وهو ما يجعل العديد من الشباب ينفرون منه أو يبحثون عن فرص خارج البلاد.

إشكالية التعليم والتشغيل في المغرب لا يمكن حلها بمعزل عن إصلاحات عميقة وشاملة. يجب إعادة النظر في المناهج التعليمية لتكون أكثر توافقاً مع متطلبات العصر، وتعزيز التكوين المهني كبديل حقيقي يمكن أن يُوفر فرصاً واعدة للشباب. كما أن سوق الشغل بحاجة إلى سياسات تشغيل أكثر ديناميكية، تُشجع على خلق فرص عمل مستدامة وتحمي حقوق العمال. بدون إصلاح التعليم، لا يمكن تحقيق قفزة في التشغيل، وبدون سياسات تشغيل ناجحة، ستظل أزمة التعليم قائمة، في حلقة مفرغة لا نهاية لها.