زكاة الفطر بين التعبد المحض و النفع المصلحي

الوطن 24/ بقلم: الدكتور عبد النور بزا

إخراج زكاة الفطر من الأحكام الشرعية الجامعة بين قصد التعبد بحكم الأمر الشرعي، وقصد النفع بحكم النظر المصلحي لمستحقيها. ولذلك؛ من غلب قصد التعبد؛ وقف عند إخراج المنصوص عليه من الأقوات فقط. وهو مذهب مالك والشافعي وقول لأحمد.

ومن نظر إلى قصد النفع؛ قال بإخراج ما يقوم مقام الأقوات المنصوصة من نقد أو لباس أو غيره مما يحقق مصلحة المستحقين، وخاصة إذا اختاروه لحاجتهم إليه. وهذا قول الأحناف. كما عند الإمام السرخسي:” فإن أَعطى قيمةَ الحِنطة جاز عندنا؛ لأنَّ المعتبرَ حصول الغِنى، وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحِنطة.” المبسوط. ط. دار المعرفة. 3 / 107- 108

وهو ما ذهب إليه ابن تيمية في جوابه لمن سأله عن إخراج القيمة في زكاة الأموال إذ قال: “وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به… وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا أَوْ يَرَى السَّاعِي أَنَّ أَخْذَهَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ. كَمَا نُقِلَ عَنْ مُعَاذ بْن جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ:” ائْتُونِي بِخَمِيصِ أَوْ لَبِيسٍ أَسْهَلُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِمَنْ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.” مجموع الفتاوى 25/79، 82

وإذا كان هذا هو الأصلح والأعدل لحاجة المستحقين لزكاة الأموال، فمن باب أولى أن يكون في زكاة الفطر. لأن كل ما يحقق مصلحة المستحقين؛ فهو الأولى لهم، وخاصة في زماننا هذا، وفي وقت الحجر الصحي بالأخص. فإخراج المنصوص عليه من الأقوات؛ قمحا أو شعيرا أو ذرة … إلخ لا يغني الفقير ذلك اليوم ولا هو يطعمه، فالمطاحن مغلقة والأسواق مقفلة مثل ما هي عليه عقول بعض الإخوة يصرون – بحسن نية – على إخرج عين المطعومات بالذات بدعوى الحرص على تطبيق السنة.

 وقد نسوا أو تناسوا أن مصلحة المستحقين في أخذ القيمة هي عين الفرض الجامع بين أداء الواجب تعبدا، وإرفاق الفقراء استصلاحا.