سلا في قبضة الرداءة: نخبة تائهة ومدينة تُستنزف

الوطن24/الحيداوي عبد الفتاح 

مدينة سلا، تلك الحاضرة التاريخية التي كانت يوماً منارة للحضارة والثقافة، تجد نفسها اليوم في مهب سياسات مرتجلة ونخبة محلية تتخبط في العشوائية.
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: إلى أين تأخذنا هذه الطبقة السياسية؟ هل نحن أمام مشروع مدينة أم أمام إدارة أزمة مزمنة بلا أفق؟

سلا ليست مجرد مدينة تابعة للرباط، بل هي مركز سكاني ضخم يتجاوز عدد سكانه مليون نسمة، ويمثل قوة بشرية واقتصادية كان يفترض أن تُستثمر لصالح التنمية المحلية.

غير أن الواقع الحالي يكشف عن غياب رؤية استراتيجية، وتخبط واضح في أولويات المنتخبين المحليين، الذين يبدو أنهم فقدوا البوصلة في خضم حسابات سياسية حزبية ضيقة.

النخبة السياسية: أزمة فكر أم غياب إرادة؟

في العمق، الإشكال لم يعد في الموارد أو الإمكانيات، بل في العقل المدبر، في النخبة التي فشلت في تحويل الإمكانيات المتاحة إلى منجزات ملموسة.

المجالس المنتخبة المتعاقبة في سلا تبدو وكأنها تتوارث نفس منطق التسيير الكلاسيكي: مشاريع موسمية، حلول ترقيعية، غياب تام للتخطيط بعيد المدى، وارتباك مستمر أمام أبسط التحديات.

المدينة تعاني من بطء واضح في وتيرة التنمية، رغم قربها من العاصمة الرباط.
فلا المنطقة الصناعية تطورت، ولا الأحياء الهامشية تم تأهيلها بالشكل المطلوب، ولا تم خلق فرص كافية للشغل، خصوصاً في صفوف الشباب الذين يعيشون نوعاً من الإقصاء الممنهج.

اقتصاد مُعطل وموارد مُهدرة

اقتصاد سلا يبدو مشلولاً.
في الوقت الذي تُستنزف فيه المدينة من قبل المقاولات الكبرى دون مقابل ملموس، تغيب استراتيجية دعم الاقتصاد المحلي والمقاولات الصغيرة والمتوسطة.
غياب حقيقي للتنشيط الاقتصادي، خاصة في قطاعات السياحة والثقافة والصناعة التقليدية، التي يمكن أن تكون رافعة حقيقية للتشغيل والتنمية.

ويزداد الوضع تعقيداً حين نجد أن الاستثمارات التي يتم الإعلان عنها في الحملات الانتخابية، إما لا ترى النور، أو يتم تنفيذها دون دراسة واقعية، ما يجعلها عبئاً على المالية المحلية بدل أن تكون محركاً للنمو.

الفئة الشابة في سلا تعاني من التهميش البنيوي.
غياب الفضاءات الثقافية، الافتقار إلى البنيات التحتية الرياضية، وغياب أي سياسة فعلية للإدماج الاجتماعي والاقتصادي، يجعل الشباب عرضة للفراغ والانحراف، في وقت يفترض أن يكونوا فيه طاقة بناء وإبداع.

المفارقة أن أصوات الشباب كانت حاسمة في الانتخابات، لكنهم سرعان ما يجدون أنفسهم خارج معادلة القرار، وكأن دورهم ينتهي بمجرد الإدلاء بأصواتهم.
سؤال المرحلة: هل نحن أمام إدارة محلية أم وكالة انتخابية؟

المتابع للشأن المحلي بسلا يلاحظ أن كثيراً من الفاعلين السياسيين يتعاملون مع المدينة وكأنها رصيد انتخابي يجب الحفاظ عليه بأي ثمن، لا ككائن حي يحتاج إلى إصلاح جذري وبُعد رؤيوي.
فهل نحن أمام نخبة مؤهلة فعلاً لقيادة تحول حضري حقيقي؟ أم مجرد وكلاء أحزاب يلهثون وراء التموقع السياسي والصفقات العمومية؟

سلا ليست حقل تجارب

ما تحتاجه المدينة اليوم ليس فقط مشاريع، بل مشروع مجتمعي شامل يعيد الاعتبار للمواطن، ويضع الإنسان في صلب العملية التنموية. نحتاج إلى نخبة تحمل رؤية، لا مجرد طموح انتخابي.
إلى قيادات ميدانية تؤمن بالمساءلة، لا بشعارات مستهلكة.

سلا اليوم في حاجة إلى وقفة تأمل حقيقية.
فالمشهد المحلي وصل إلى مرحلة حرجة، لم يعد معها التجميل ممكناً.
والتاريخ لن يرحم من أضاعوا الفرصة تلو الأخرى، ومن كانوا شهوداً على تدهور المدينة دون أن يحرّكوا ساكناً.

مدينة سلا لا تنقصها الطاقات ولا الموقع الاستراتيجي، بل ينقصها رجال دولة حقيقيون.
فهل من ضمير سياسي يعيد توجيه الدفة قبل أن تفقد المدينة ما تبقى لها من نبض؟ أم أن مصيرها هو الاستمرار في غرفة انتظار لا موعد فيها للخروج؟