قراءة بين السّطور في عراك مؤتمر طوكيو!

الوطن24/ محمد الشرقاوي 

تحوّلت المؤتمرات اليابانية الأفريقية للتنمية، سواء في الجولة الثامنة في تونس في أغسطس 2022 أو الجولة التاسعة حاليا في طوكيو في أغسطس 2024، إلى مناورات متجددة من قبل الجزائر في إقحام ممثل “الجمهورية الصحراوية” المعلنة من جانب واحد، ولا تعترف بها الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وأيضا اليابان التي شدّد وفدها في المؤتمر على أن “حضور أي كيان لا تعترف به اليابان كدولة ذات سيادة في اجتماعات تيكاد 8، بما في ذلك اجتماع كبار المسؤولين واجتماع القمة، لا يؤثر على موقف اليابان فيما يتعلق بوضع هذا الكيان.”
يتسم موقف حكومة طوكيو بالوضوح بعدم الترحيب بوفد البوليساريو، ويلغي ما ذهبت إليه صحيفة الشروق الجزائرية التي كرست تبشيرا سياسيا غير واقعي بقولها “محاولة من وفد النظام المغربي الاعتداء الجسدي على الوفد الصحراوي، وهو التصرف الذي تحوّل إلى فضيحة في العاصمة اليابانية، استسلم في الأخير ممثلو النظام العلوي للأمر الواقع، أمام صمت السلطات اليابانية التي لم تتجاوب مع المطالب المغربية بإقصاء الوفد الصحراوي.”
يثير مسعى الوفد الجزائري للتحايل على مشهد الاجتماع و”زرع” بطاقة “الجمهورية الصحرواية” قبيل بدء الجلسة أربع ملاحظات مثيرة:
1. أن وزارة الخارجية الجزائرية لم تأخذ العبرة مما حدث في اجتماع تونس قبل عامين، وإنما تمسّكت بعنادها وانفعالها بأن تتحدى إرادة اليابان وقرار الاتحاد الأفريقي، وتتعامل بموفق الفوقية بمحاولة فرض الأمر الواقع على دولة أسيوية ذات سيادة ومنظمة إقليمية لها ضوابط العضوية وشروط التمثيل في المؤتمرات الدولية. ويدرك وزير الخارجية أحمد عطاف ومسؤولو الاستخبارات الجزائرية جيدا أن بروتوكولات المؤتمرات الدولية لا تخضع لاندفاعات التحايل أو بهلوانيات التمويه والخديعة في اللحظة الأخيرة من بدء المؤتمر، أو التنطّع لما تقرر مسبقا في ترتيب القاعة وتسلسل مقاعد التمثيل للدول حسب الترتيب الأبجدي، وأيضا تحديد جدول الأعمال وأسماء رؤساء الوفود الذين سيلقون الخطابات.
2. لا ينال مشهد التراجيديا السياسية بحدوث مصارعة بدنية فعلا ووقوع بعض المشاركين أرضا من سمعة الحكومة اليابانية ومستوى تنظيم المؤتمر، بل يضع الدبلوماسية الجزائرية في خانة اليكّ، كما يقول أصدقاؤنا الشّوام. ويسقط عليها انطباع الانفعال والتعنت، وليس الفعالية أو المنحى البراغماتي في تدبير أحد الملفات الرئيسية في سياستها الخارجية من سجالات الاتحاد الأفريقي.. إلى اجتماع طوكيو.. إلى جلسات مجلس الأمن الدولي.
3. كانت الجزائر تتمسك منذ 1975 بأنها ليست طرفا في الصراع وأنه ثنائي حصريًا بين البوليساريو والمغرب، بل وتنصّلت من الاستجابة لدعوات الأمم المتحدة بالمشاركة في مفاوضات ينبغي أن تتمّ “بحسن نية ودون شروط”، كما أوصت قرارات مجلس الأمن خاصة في السنوات الأربع الماضية. بيد أن ما قام به الوفد الجزائري، سواء من خلال مشهد التحايل في الجلسة أو تمرير بطاقة هوية أحد الدبلوماسيين الجزائريين إلى ممثل البوليساريو عند التقاط الصورة التذكارية الجماعية في اجتماع طوكيو، يعزز القناعة لدى الحكومات والرأي العام العالمي أن الجزائر تتصرّف على أنها صاحبة الوصاية والرعاية الدبلوماسية، وأنها بالتالي مصدر الدعم المالي والسياسي لجبهة البوليساريو. وتمهد لخلاصة حتمية مفادها أن وضع جبهة البوليساريو سلبا وإيجابا رهين بالاستراتيجية الجزائرية، مما يعيد إلى الذاكرة بداية الصراع وسط خلافات وتحديات شخصية بين الراحلين الرئيس الهواري بومدين والملك الحسن الثاني.
4. الملاحظة الأخيرة تفيد بأن ما حدث في تونس وما يحدث في طوكيو يجسد بنية التفكير لدى رأس الدبلوماسية أحمد العطاف في هذه المرحلة، وتوحي بمقارنة ضمنية مع بنية تفكير سلفه رمطان لعمامرة الذي لم يكن ليوافق على الأرجح بتلك المجازفة في مؤتمر دولي وفي ضيافة بلد أسيوي يشتهر أهله بالتدقيق في صغائر الأمور وكبائرها.