هل باتت الحاجة ملحة في المغرب لقانون جديد ينظم شؤون الموارد البشرية للجماعات الترابية؟

الوطن24/ خاص
في ظل ما كشفته التقارير الأخيرة من تجاوزات مثيرة للقلق في تدبير شؤون الموارد البشرية داخل الجماعات الترابية بالمغرب، تطرح تساؤلات حقيقية حول مدى نجاعة الإطار القانوني الحالي، وقدرته على ضمان العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص بين الموظفين الجماعيين.
فقد عمّمت وزارة الداخلية المغربية، عبر المديرية العامة للجماعات الترابية، تعليمات صارمة تدعو إلى تصفية لوائح المسؤولين من الموظفين غير المؤهلين الذين تم تعيينهم بشكل مؤقت ثم احتُفظ بهم في مناصبهم الحساسة دون احترام الشروط القانونية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.21.580 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا بالجماعات والمقاطعات.
تقارير ميدانية مرفوعة إلى المصالح المركزية كشفت عن قيام عدد من رؤساء الجماعات، خاصة بجهتي الدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة، بتعيين موظفين غير مؤهلين، لا يتوفرون على الكفاءة أو الخبرة المطلوبة، في مناصب عليا، مستندين في ذلك إلى علاقات الولاء والثقة عوضاً عن اعتماد المساطر القانونية، ما خلف احتقاناً شديداً في صفوف الموظفين وأدى إلى تعطيل مصالح المواطنين والمستثمرين.
والأخطر من ذلك، أن بعض رؤساء الجماعات في المغرب عمدوا إلى تحميل المسؤولية في أكثر من مصلحة حيوية لموظف واحد من سلالم دنيا، كما هو الحال في جماعة بإقليم برشيد، حيث تبيّن أن تقنياً واحداً يدبّر مجالات التعمير والمساحات الخضراء والمصالح التقنية مجتمعة، في غياب أي احترام لمبدأ التخصص والكفاءة.
هذه الاختلالات تسلط الضوء على ثغرة خطيرة في القانون المنظم لتدبير شؤون موظفي الجماعات الترابية بالمغرب، حيث يتحكم رئيس الجماعة، بصفته الرئيس التسلسلي، في مساراتهم المهنية من تعيين وترقية وتنقيل، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مظاهر الريع والتمييز، خصوصاً أن كثيراً من رؤساء الجماعات يفتقرون إلى التكوين أو التأهيل الإداري الكافي، في مقابل موظفين جماعيين حاصلين على شواهد عليا ويملكون كفاءات مهنية مهمة.
لكن إذا نظرنا إلى الحكومة الحالية في المغرب، نجد أن بعض وزرائها يترأسون بدورهم جماعات ترابية، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الحكومة ووزير العدل وغيرهم. فكيف يمكن لحكومة تملك الأغلبية في البرلمان أن تتبنى قانوناً جديداً للموارد البشرية بالجماعات، وهي نفسها في حالة تعارض وتضارب مصالح واضح؟ هذا التنافي يجب أن يُحسم دستورياً، مع ضرورة التنصيص على قرارات صريحة تراعي المصلحة العليا للوطن وتسحب الذرائع من يد الحكومة، التي أظهرت التجارب الواقعية أنها لن تمضي في مشروع تصحيحي قد يحدّ من نفوذ المنتخبين النافذين.
إن القانون القادر على تحقيق العدالة الإدارية والوظيفية بالمغرب، هو ذلك الذي يُنهي تبعية الموظفين الجماعيين لرؤساء الجماعات، ويُحدث مديرية قطاعية مستقلة تابعة لوزارة الداخلية تُشرف على التوظيف، والتعيين، والترقيات، وتوزيع المهام بشكل احترافي ومجرد من الحسابات السياسية والمحلية.
فهل تتحرك الحكومة المغربية لتبني قانون جديد يُنهي فوضى التعيينات ويُعيد الاعتبار لمبادئ الكفاءة والنزاهة والشفافية؟ أم أن المصلحة الحزبية والسياسية ستبقى عائقاً أمام كل إصلاح جاد في تدبير الموارد البشرية بالجماعات الترابية؟