“السياسيون أم الكوميديون؟ حينما تصبح السياسة المغربية عرضًا هزليًا لتصفية الحسابات”

الوطن 24/الحيداوي عبد الفتاح
في خضم الأحداث السياسية التي يعيشها المغرب، يبدو أن الساحة السياسية قد انقلبت رأسًا على عقب، ولم تعد تعكس أي نوع من الجدية أو المسؤولية التي يتوقعها المواطن المغربي من ممثلي الأمة. بدلًا من الحديث عن المشاريع التنموية، الإصلاحات الاقتصادية، ومحاربة الفساد، نشهد اليوم استعراضًا هزليًا بامتياز. السياسيون، الذين من المفترض أن يكونوا حاملي هموم الشعب ومشاريعه المستقبلية، انشغلوا بمسرحيات عبثية لم تعد تثير سوى الضحك والاستهجان. وكأن المشهد السياسي المغربي بات في حاجة إلى مسارح أكبر، لا لمناقشة القضايا الحقيقية، بل لعرض هذه “الكوميديا السياسية” التي لا تنتهي.
السياسة، التي كانت يومًا ساحة للتنافس الفكري والنقاشات الهادفة، تحولت إلى حلبة للتراشق بالتصريحات الرنانة التي لا تخدم إلا تصفية الحسابات الشخصية. وأصبح المواطن المغربي بين خيارين: إما أن يجلس متفرجًا على هذا العرض الهزلي الذي يقدم له يوميًا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، أو أن يبحث عن قنوات أخرى يحاول من خلالها تحسين واقعه بعيدًا عن السياسيين الذين حولوا مهمتهم من خدمة الشعب إلى صناعة الفرجة.
من كان يتخيل أن تصبح السياسة المغربية بهذا المستوى من العبث؟ تصريحات لا تليق، تهجمات شخصية، ومشاحنات أشبه بمسلسلات الواقع الرخيص. وبالرغم من قساوة الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشعب، يبدو أن السياسيين غير مبالين. فهم منشغلون بإدارة حواراتهم الشخصية المثيرة، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن هناك مواطنًا يعاني من البطالة، وارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات الاجتماعية. المواطن المغربي الذي يعاني في صمته، يتابع هذه المسرحيات، متسائلًا: هل أصبح السياسيون في المغرب مجرد ممثلين على خشبة مسرح، يتنافسون على من يُضحك الجمهور أكثر؟
الغريب في الأمر أن هؤلاء السياسيين يتصرفون وكأن الساحة السياسية هي ملكية خاصة بهم. لا يهتمون بما يعانيه المواطن المغربي، بقدر ما يهتمون بتصفية حساباتهم عبر المنابر الإعلامية، مستخدمين تصريحات صاخبة وأحيانًا هزلية. وكأننا نشاهد عرضًا كوميديًا مليئًا بالمفارقات، لكن دون أن نضحك، لأن الضحية دائمًا هو المواطن.
ولكي يكتمل المشهد العبثي، يتبارى السياسيون في استعراض أدوارهم “المحبوكة” على خشبة السياسة، محاولين إقناع الجمهور أنهم الأبطال الحقيقيون للمشهد. لكن الحقيقة أن معظمهم فقدوا بوصلة العمل السياسي الجاد. المضحك في الأمر أن هذه التصرفات لم تعد حتى تثير الغضب، بل أصبحت مادة للضحك والسخرية بين المغاربة. فكيف يمكن للمواطن أن يأخذ على محمل الجد سياسيين يتبادلون الاتهامات والتهكمات وكأنهم في مشاجرة حانات وليس في مؤسسات تمثل مصالح الأمة؟
وهنا، لا بد من التساؤل: ما هي النتيجة الحتمية لهذا الانحطاط السياسي؟ هل سيظل المواطن المغربي، الذي يعاني من غلاء المعيشة وتدهور الخدمات العامة، يشاهد هذه المسرحية الهزلية إلى ما لا نهاية؟ أم أن الأمور ستصل إلى نقطة لا يعود فيها الشعب متفرجًا على هذا العرض العبثي، بل يصبح صانع التغيير الحقيقي؟
السياسيون في المغرب قد لا يدركون أن الكوميديا التي يقدمونها أصبحت مملة، والجمهور المغربي الذي كان يومًا مستعدًا للتصفيق لهم، بات اليوم ينتظر نهاية هذا العرض الساخر. ربما حان الوقت لأن يدركوا أن الساحة السياسية ليست مسرحًا للتمثيل، وأن الشعب المغربي بحاجة إلى قادة حقيقيين يتعاملون مع قضاياه بجدية ومسؤولية.
في النهاية، قد تتغير وجوه الممثلين، وقد يتم إعادة إخراج المسرحية بصيغة جديدة، لكن الرسالة الحقيقية التي ينبغي أن تصل لهؤلاء السياسيين هي أن الجمهور المغربي لم يعد يقبل بهذه المسرحيات الهزلية. حان الوقت لإنهاء هذا العرض والعودة إلى الواقع، حيث تنتظر الأمة المغربية حلولًا حقيقية بدلًا من الاستمرار في تقديم عروض كوميدية بلا نهاية.